1 / 28

فصل من كتاب الجانب العاطفى من الإسلام ج 4 للشيخ محمد الغزالى

فصل من كتاب الجانب العاطفى من الإسلام ج 4 للشيخ محمد الغزالى. إعداد جنات عبد العزيز دنيا. من أخطاء العابدين. يقول الشيخ محمد الغزالى رحمه الله: " من علامة اتباع الهوى، المسارعة إلى نوافل الخيرات، والتكاسل عن القيام بالواجبات ".

hedy
Download Presentation

فصل من كتاب الجانب العاطفى من الإسلام ج 4 للشيخ محمد الغزالى

An Image/Link below is provided (as is) to download presentation Download Policy: Content on the Website is provided to you AS IS for your information and personal use and may not be sold / licensed / shared on other websites without getting consent from its author. Content is provided to you AS IS for your information and personal use only. Download presentation by click this link. While downloading, if for some reason you are not able to download a presentation, the publisher may have deleted the file from their server. During download, if you can't get a presentation, the file might be deleted by the publisher.

E N D

Presentation Transcript


  1. فصل من كتاب الجانب العاطفى من الإسلام ج 4 للشيخ محمد الغزالى إعداد جنات عبد العزيز دنيا

  2. من أخطاء العابدين يقول الشيخ محمد الغزالى رحمه الله: " من علامة اتباع الهوى، المسارعة إلى نوافل الخيرات، والتكاسل عن القيام بالواجبات ". الفروض التى يجب أداؤها كثيرة ومنوعة، وهى فى العبادات محدودة كما وكيفا ولكنها فى العادات مفتوحة الدائرة متطورة الأداء. والمسلم مطالب بكل الواجبات التى ارتبطت بعنقه، ولا يجوز أن يوجه نشاطه إلى نافلة ما قبل أن يستكمل هذه الواجبات أولا. إن الواجبات والنوافل أشبه بالضرورات والمرفهات، والمرء لا يشترى لنفسه عدة زجاجات من العطور وهو وأهله بحاجة إلى أرغفة من الخبز، سد الجوع أولى من هذه الزينات. وقد رأيت ناسا من أهل الدين يذهلون عن هذه الحقيقة،

  3. وحكى لى أحدهم أنه حج عدة مرات وهو بسبيله إلى حجة جديدة، لن تكون الأخيرة...وهذا خطأ. فلو أنه بعد حجة الفريضة تأمل فيما عليه من فروض أخرى، ولو أنه تتبع الثغرات التى شاعت فى مجتمعنا وعمل على سدادها لكان أدنى إلى الصواب، وأقرب إلى مرضاة الله، وأبعد عنأهواء النفس... إن نفقات حجة واحدة من هذه النوافل تكفى لدفع نفقات الدراسة لنفر من الطلاب الفقراء، وهم أولى، وتكفى لرفع الحجز عن أمتعة نفر من الغارمين المعسرين وهم أولى، وتكفى لطبع بعض الكتب الدينية وتوزيعها بالمجان وذاك أجدى... الخ. إن إنقاذ أمتنا من الجهل والفقر أوجب من إشباع رغبة نفسية فى متابعة الحج والعمرة، هذه فريضة وتلك نافلة. بل لو أن الحاج كان تاجرا، واستغل المال فى توسيع تجارته لدعم الاقتصادواغلاق الأبواب أمام الاقتصاد الأجنبى لكان ذلك أحق من بذلالمال فى التطوع بحج أو عمرة.

  4. ذلك أن الجهاد الاقتصادى صنو الجهاد الحربى، بل إن لقاء العدو فى ميدان الدم يجىء مرحلة أخيرة بعد كفاح طويل فى عالم المال والمعرفة والدعاية والبذل. وتنظيما للعلاقة بين الفرائض والنوافل روى عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " حجة خير من أربعين غزوة ، وغزوة خير من أربعين حجة ”يقول إذا حج الرجل حجة الإسلام فغزوة خير له من أربعين حجة وحجة الإسلام خير من أربعين غزوة ". وفى رواية عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهماقال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " حجة لمن لم يحج خير من عشر غزوات وغزوة لمن قد حج خير منعشر حجج " .

  5. وقد أبنا فيما كتبنا أن الجهاد الحربى، حلقة من سلسلة بها حلقات أخرى من غزو اقتصادى وثقافىلا تقل خطرا عن نظائرها. إن أصحاب البصر السديد من العلماء يضعون الحدود مكبرة بين الفروض والنوافل حتى لا يقع المسلم فى تقصير مخل وهو يحاول إرضاء الله بعمل لم يوجبه عليه. وابن عطاء الله يعد من إتباع الهوى إيثار نافلة خير على واجب قائم. وقد رأيت بعض الصالحين يصومون يومى الاثنين والخميسويجتهدون فى التقرب إلى الله بهذا العمل الكريم. والصيام قربة لا ريبفيها وجهاد نفس نبيل، ولكنى أحب أن أنظر إلى الموضوع على ضوء الموازنة بين الفرض والنفل.

  6. فمن صام رمضان فقد أدى الفريضة، فإن كان صيام أيام أخرى سيوهن قواه عن العمل فى المدرسة؛ إن كان مدرسا، أو العمل فى الديوان إن كان موظفا، فالفطر أولى به، لأن هذا التنفل سيعجزه عن القيام بفريضة تعليم التلامذة، أو يعجزه عن القيام برعاية مصالح الجمهور، وكلا العملين فريضة بالنسبة له. ولماذا يجهل بعض الناس أن ما وكل إلى ذممهم من أعمال عامة أو خاصة هو مجال خصب لكسب رضوان الله وغفرانه؟. لقد كنت ألحظ ـ بأسى ـ أن بعض الأطباء يحب أن يعظ الناس فى المساجد! لماذا؟. إن الكشف الدقيق على مريضه هو العبادة الأولى المطلوبة منه، ولا يغنى عن هذه العبادة أن يجيد بعض خطب أو يطيل بعض ركعات ـ عدا الصلوات المكتوبات.

  7. إن صلاته بعد الأوقات الخمس هى علاجه المرضى واستكشاف عللهم، وتيسير الشفاء لهم بكل ما هنالك من وسائل... لقد قلت: إن الفروض كثيرة، وإذا كانت محدودة فى ميدان العبادات فهى مطلقة فى الميادين الأخرى، وأمتنا فقيرة إلى الجد فى الميادين كلها وإلا جثت على ركبتيها أمام أعدائها. ولذلك يجب أن تنظم جهود العابدين، حتى لا تقل فى ناحية وتكثر فى ناحية أخرى. ويجب إبراز الفروض أولا حتى لا تضطرب الأوضاع وتختل الموازين وتتبدد الجهود هباء.

  8. المنة لله وحده " من أكرمك إنما اكرم فيك جميل ستره، فالحمد لمن سترك، ليس الحمد لمن كرمك وشكرك ". الله ولى النعمة، وأهل الثناء أولا وآخرا، ظاهرا وباطنا. قد تكون ذكى العقل بادى المواهب يثنى عليك الناس لما امتزت به من فكر ثاقب وعمل بارز. فمن الذى صاغ معدنك وأنت جنين على هذا النحو المرموق؟. إن المعدن الذى يصاغ منه الإنسان هو الذى يحدد رزقه وأجله، فإن كان معدنا هشا كان سريع الكسر، وإن كان معدنا رديئا كان رخيص القيمة. من الذى خلق العباقرة ممتازين من طفولتهم؟ هو الله!!

  9. (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم ). فإذا رأيت الناس يعلون من قدرك، فالحمد لمن أنشأك جديرا بالرفعة. وكم يخطئ المرء؟ وكم يقع منه ما لو عرف به لخدش مقداره وسقط شعاره؟. أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوح فإذا المستور منا بين ثوبيه فضوح. لكن الله يصبر ويبقيك بين الناس كأن لم يبدر منك شىء ويظل لك ما تحب من كرامة ومنزلة. فلمن الحمد؟ لمن يثنى عليك بلسانه؟ أم لله الذى أنعم أولا وستر آخرا؟.

  10. لا تنخدع عن حقيقتك " الناس يمدحونك لما يظنونه فيك، فكن أنت ذاما لنفسك لما تعلمه منها ".هل أغش نفسى لأن الله سترنى فانطلقت ألسنة الناس تمدحنى؟ ما يفعل هذا عاقل. واجب أن يكون موقفى من نفسى ثابتا، أفتش عن عيوبها لأنقيها منها وأستحضر باستمرار ما بها من أخطاء كى أصوبها، وما فيها من نقائص كى أكملها. فإذا قال الناس: هو كامل، فلا أنخدع بمقالتهم عن حقيقة ما أعرف من نفسى "فأجهل الناس من ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس ".

  11. والعجب أن ناسا يكذبون ثم يصدقون هم أنفسهم ما اختلقوه على الناس، كما روى عن أشعب أن الأطفال تبعوه يوما بزياطهم، فأراد أن يصرفهم عنه فزعم لهم أن عرسا بمكان كذا توزع فيه الحلوى!! فلما جروا إلى العرس المزعوم تبعهم أشعب هو الآخر يجرى!! لقد صدق الأكذوبة التى ألفها... إن ذلك مثل من يسمع المدائح فيه فيصدقها، وهو يدرى من باطن أمره أنه غير ما قيل فيه. كان الرجل من الصالحين إذا مدح قال: " اللهم اغفر لى ما لا يعلمون، ولا تؤاخذنى بما يقولون، واجعلنى فوق ما يظنون ". وهذا دعاء من ينصف نفسه ويخشى ربه.

  12. اعرف حقوق سيدك " تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه! تحقق بذلك يمدك بعزه، تحقق بعجزك يمدك بقدرته، تحقق بضعفك يمدك بحوله وقوته ". ماذا تكون عليه العلاقات بين المخلوق والخالق والمرزوق والرازق، والمخطئ المعثار، والتواب، الغفور، والبائس الفقير والمنعم الكريم؟ إن الصورة الوحيدة المعقولة أن يعترف الأدنى بالأعلى اعترافا ماديا ومعنويا يظهر فى النفس وعلى الجوارح!!!خصوصا إذا كانت هذه العلاقات ممتدة لا انقطاع لها، فقد يظن ظان أن الصلة بين العبد وربه يمكن أن تشبه الصلة بين الولد وأبويه، يحتاج الطفل إليهما صغيرا، فإذا كبر استغنى، وربما دفعه استغناؤه إلى العقوق، وجحد ما مضى!! كلا، إن حاجة العبد إلى الله خالدة.

  13. أمسى من حاجة الرضيع إلى أمه، مهما تراخت الأيام وأمسى فى حاجة النبت إلى الشعاع والماء كى يزدهر وينمو (قل من يكلؤكم بالليل و النهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون). وربما توهم العبد أنه يزل ثم يستطيع الفرار من تبعات لله، عند ذى منعة هنا أو هناك، لا، ليس فى الكون من تتحصن به أو يدخلك فى جواره، أو يبسط عليك منعته: الملجأ أوهى من الهارب (أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم و لا هم منا يصحبون). إن فقر البشر إلى الله شديد، وما يستمتعون به من سمع وبصر وأفئدة مواهب معارة منه. لو يشاء استردها فى أية لحظة، ووقف أعتى العتاة صفر اليدين لا يجد الهباء، بل تلفظه كل ذرة فى الأرض والسماء (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون).

  14. العبادة الصحيحة أن تقوم بين يدى الله وأنت أنت وهو هو. أنت أنت بحقيقتك العارية من غير دعوى ولا تزيد.وهو هو بذاته القدس من غير انتقاص ولا إفك. أنت أنت بحقيقتك التى يتمثل فيها الافتقار والنقص وهو هو بحقيقته التى ينبغى لها كل تنزيه وتمجيد. ولكن النفس الإنسانية قد تلجأ إلى الخداع والتمويه، فترى الإنسان يؤثر الكبرياء على التواضع ويزعم أنه مستغن بنفسه عن عناية السماء، ويحاول إيهام الآخرين أنه ـ من ذاته لا من مصدر آخر ـ قد نشأ وتمول وساد. ويوغل فى ادعائه فيرفض كل نصح يذكره بأنه أحد عبيد الله المنتشرين على ظهر هذه الغبراء، يتعرضون للسراء والضراء فتنة وتمحيصا، لا فضلا وتخصيصا... إنه فى نظر نفسه ليس ثمرة المن الإلهى، إنه ابن نفسه فما لديه ثبت له لأنه حقه!!

  15. (ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى). لماذا تكون الحسنى لك إذا رجعت إليه وقد كنت به كفورا؟ إنه شعور غبى، إنه يظن نفسه هى التى سودته فى الدنيا، وستسوده كذلك فى الأخرى، لأنه أهل السيادة ورثها كابرا عن كابر. أجل هو عريق النسب ـ ولو كان ابن الصعاليك ـ فهكذا يتصور الأغرار الأمور، وهكذا تفسد النفس فتفسد أحكامها على كل شىء... والله عز وجل يمقت من عباده أولئك الصنف الذين يعمون عن أنفسهم وعن ربهم. لقد خلق الناس ليعرفوه ويحمدوه لا ليجهلوه ويجحدوه. فإذا شردت الأمم عن الجادة صب عليها سوط عذابه لتعترف بعبوديتها وتثوب إلى رشدها. قال تعالى: (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا).

  16. فإذا أبت إلا المضى فى غوايتها ولم تعتبر مما مسها أمضى فيها عقوبته كاملة ورفض أن يذيقها رحمة: (ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون * ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون * حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون).إن الله يقترب برحمته ممن يقفون عند منازلهم الإنسانية ويوقرون ربهم سرا وعلانية. اعترف فى ساحته بعجزك يمنحك القوة . اعترف فى ساحته بذلك ينضر وجهك بالكرامة. إبرأ من حولك وطولك إلى حوله وطوله يهبك سلطانا فى الأرض ويكفل لك التوفيق والنصر والنجاح: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم).

  17. والناس ـ فى العصر المغتر ـ زاهدون فى السماء عاكفون على الأرض، واثقون من عالم الشهادة ساخرون من عالم الغيب، مؤمنون بأنفسهم قليلو الاكتراث بربهم الذى خلقهم لغاية أشرف مما يألفون. وهم محرمون حقا من أمداد الفضل الإلهى ما بقوا على هذا الزيغ، بل هم معرضون حتما لنكال فى أعقاب نكال، وحرب فى أعقاب حرب. (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد).

  18. فضول العيش أشغال " من تمام النعمة عليك أن يرزقك ما يكفيك، ويمنعك ما يطغيك، ليقل ما تفرح به ويقل ما لمحزن عليه ". إذا قرر المؤمن الجهاد فى سبيل الله، والاشتباك مع قوى الباطل فى حرب موصولة الكر والفر فيجب أن يحدد صلته بما فى الدنيا من متع وما تهواه النفس من لذات.. ذلك أن التمشى مع مغريات الحياة يفتح الشهية للمزيد، ويعلق القلب بمطامع تشغله عما يجب أن يخلص له. وصدق المتنبى إذ يقول: ذكر الفتى عمره الثانى وحاجته / ما قاته وفضول العيش أشغال وترضية النفس بمستوى من العيش يضمن الكفاية، وينفى الفضول، أعون شىء على رفع الجبهة، وتوفير العزة وإرضاء الله. قيل يوما لأحد شيوخ الأزهر افعل كذا وإلا أصابك ما لا تحمد عقباه! فقال: هل سأمنع من التردد بين بيتى والمسجد!قيل: لا.. قال فافعلوا ما بدا لكم.

  19. ولما سجن الشيخ عليش فى أعقاب الثورة العرابية قيل له: تملق الخديو ليعفو عنك. فقال قصيدته التى مطلعها: الزم باب ربك / وأترك كل دون واسأله السلامة / من دار الفتون لا تكثر لهمك / ما قدر يكون وأساس هذا السلوك توطين النفسى على أسلوب من العيش خفيف المؤنة قليل التكلفة والإنسان فى هذا المجال يمكن أن يمتد ويمكن أن ينكمش. والنفس طامعة إذا أطعمتها/ وإذا ترد إلى قليل تقنع . ونحن لا نحرم حلالا، ولا نحجر واسعا، وإنما نصف الطريق التى لابد من سلوكها لأصحاب الرسالات وحملة الدعوات.فإنه لا يتفق طمع فى الدنيا وانتصار للمثل العليا.

  20. ولا ينسجمان الحرص على إعلاء كلمة الله، والحرص على تكثير المغانم واسترضاء الخلائق، وفى الحديث: " يا أيها الناس هلموا إلى ربكم، فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى " . وضوابط الكفاية ليست لها خطوط معينة، بل هى تختلف باختلاف الطبائع والأحوال والبيئات.ومن العبث تحديد مستوى معين من النفقات لرجل، أو لأسرة، يقال إن ما وراءه إسراف. فرب ضرورة لشخص تعتبر ترفا لشخص آخر... إن الحالة النفسية هى الحكم الفذ فى هذه الظروف، ولذلك يوصى ابن عطاء الله بتقليل ما نفرح به إجراء لمطالب المرء فى أضيق نطاق، حتى إذا مسته وعكات الجهاد لم يكن هناك ما يستدعى الأسى...

  21. والواقع أن الفقر والغنى أخلاق نفسية قبل أن يكون أعراضا دنيوية. فكم من ذى مال يبيت مؤرقا وراء المزيد، شاعرا بالفقر، لأن كل ما يطلب لم يتحقق له.وكم من مقل بات قرير العين لأنه يرى ما لديه كافيا شافيا، ولذلك يقول الشاعر: غنى النفس ما يكفيك من سد خلة / فان زدت شيئا عاد ذاك الغنى فقرا وفى تجاربنا مع الناس رأينا نقائض تستدعى التأمل... هذا رجل له مال وبنون، طال أجله، وأدبر شبابه، وكان يجب أن يتهيأ للآخرة بزاد الحسن. إنه لو قتل فى سبيل الله ما ترك وراءه شيئا يخاف عليه، لا الزوجة العجوز ولا الأولاد الكبار. ومع هذا فإنه شيطان أخرس، يفرق من كلمة حق، ويوجل من موقف شرف، ويتشبث بأذيال الحياة طالبا المزيد!!

  22. على حين رأينا شبابا لهم آمال وعليهم أعباء، ومثلهم لو توثقت علائقه بالدنيا ما كان فى سيرتهم عجب. ومع هذا يذهلون عن الدنيا المقبلة، ويتركون الذرية الضعاف لكفالة الله، ويقبلون على مواقف الاستشهاد بنبل وجلال. إن الأحوال النفسية، لا مستويات المعيشة، هى التى تصنع الناس. وإذا كان لهذه المستويات عمل فهو أنها عنصر مساعد، أو لعل هذه المستويات هى التربة التى تنضج شتى البذور، فتبلغ بالورد تمامه، وبالشوك منتهاه من غير أن تخرج بعنصر عن طبيعته... إننا نسمع صراخا طويلا لرفع مستوى المعيشة، وأنا بين الذين رفعوا عقائرهم بقوة لمحاربة البؤس والمسكنة. ولكن يجب أن يفهم الماديون أن الحياة الإنسانية الآن أفقر إلى الأخلاق منها إلى الأرزاق، وأفقر إلى تقدير قيمها الروحية منها إلى تقدير قيمها المادية، وأفقر إلى ذكر الله منها إلى ذكر ما سواه.

  23. فى محاسبة النفس " متى آلمك عدم إقبال الناس عليك، أو توجههم بالذم إليك، فارجع إلى علم الله فيك، فإن كان لا يقنعك علمه فيك فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه أشد من مصيبتك بوجود الأذى منهم " صلة المؤمن بالله هى أساس أمنه أو قلقه، وفرحه أو أساه، أما صلته بالناس فهى تجىء فى المرتبة الأخرى، وتجىء محكومة ببواعث الصلة الأولى وغايتها. إن رأى الناس فى أمر ما ليس حكما مبرما بالتخطئة والتصويب، ورأيهم فى شخص ما ليس حكما بالرفعة والضعة.والذى يحدث غالبا أن آراء الناس هذه ترسل إرسالا يحتاج إلى الضبط والتمحيص، وقلما يكتنفها الرشد والسداد. ولذلك يقول أبو تمام: إن شئت أن يسود ظنك كله / فأجله فى هذا السواد الأعظم!

  24. بل إنه فى الأزمات التى تحتاج إلى النجدة، والشدائد التى تحتاج إلى البطولة، تبحث فى الزحام الكثيف عن الرجال الذين يلقون هذه المواقف... فتروعك ندرتهم... ما أكثرالناس، لا، بل ما أقلهم الله يعلم أنى لم أقل فندا إنى لأفتح عينى حين أفتحها على كثير ولكن لا أرى أحدا ومن ثم كان عزاء المصلحين حين يلقون الصدود والغمط، ويشعرون بالإنكار والعزلة قول الله جل شأنه: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون * إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين). ولما كان انبعاث المؤمن من ضميره وحده، ومبتغاه أن يرضى الله عنه، فهو لا يكترث، أوقع الناس فيه، أم كانوا إلى جانبه...!!

  25. بيد أن الإنسان شديد الروابط بالمجتمع الذى يعيش فيه، ونفسه ـ طوعا أو كرها ـ لابد أن تتأثر بتيارات المدح والذم التى تهب عليه. ومن حق الرجل الفاضل ألا يعرضه فضله لهوان، إذا لم يكسب له ما يجب من احترام. ومن حقه أن يدفع عن نفسه مقالة السوء، وأن يتخذ من ضروب الحيطة ما يعقل ألسنة الشر عن مناله. ومن حقه وهو مصدر إشعاع ألا يكسف نوره، وأن تؤخذ عنه الأسوة الحسنة وأن تأوى إليه عناصر الخير فى الدنيا لتحتمى به... ومن ثم فصلته بالناس يجب أن تشرح بشىء من التفصيل. إن ظهوره بالبر بينهم، ومعالنته بفرائض الإسلام وشعائره شىء طبيعى لا حرج فيه، قال تعالى :

  26. (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير). وحرصه على صيانة سمعته من أى غبار شىء طبيعى، وقد استوقف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نفرا رأوه مع إحدى زوجاته، وأفهمهم أنه مع فلانة زوجته حتى لا يظنوا به السوء، مع أنه فوق التهم.وسروره بما يعرف عنه من خير شىء طبيعى، بعد أن أدى هذا الخير بنية خالصة وقلب سليم. وقد تحدث الصحابة إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى هذا الشعور الذى يخالج أنفسهم عندما يذكرهم الناس بخير على عمل قاموا به لله. فقال: "تلك عاجل بشرى المؤمن " . وتلا قوله تعالى: (الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم).

  27. إن التمكين فى الأرض من رحمة الله، ونباهة الشأن جزء من التمكين فى الأرض، ولذلك امتن الله على نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال: (ورفعنا لك ذكرك). وطلب إبراهيم من ربه أن يخلد له حسن الثناء على امتداد الزمن فقال: (رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الآخرين). والمهم أن يصدر الإنسان فى عمله عن إخلاص لله، وألا يبتغى بأدائه عرض الدنيا ولا وجوه الخلق.وأن تكون رغبته فى الله راجحة أى باعث آخر، فلو خاصم الناس طرا من أجل مولاه لم يجزع ولم يفزع. وأن تكون علاقته بالناس ـ إن أحبهم ـ تعاونا على الحق، لا تناصرا على الأغراض، أو تجمعا على الشهوات والحظوظ النفسية... فماذا أحس الإنسان بالتواء العامة عليه أو بنفرة الآخرين منه، فلينظر: كيف صلته بالله؟

  28. فإن كان طيب النفس بها، قرير العين بتوطدها، فلا عليه لو مادت الدنيا تحت قدميه.فما سخط العبيد بجنب رضا السيد؟ وما أحراه أن يتدبر جواب هود لقومه: (قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون *من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم).أما إذا كانت علاقته بالله غامضة واهنة، فليست مصيبته فى اضطراب حبله مع العباد وانصراف قلوبهم عنه وحزنه على ذلك، بل مصيبته التى تجل عن العزاء فى أنه ليس له مع الله ما يهدئ حاله، ويقر باله... وذلك أصل الداء . و http://montada.com/showthread.php?t=492793 http://www.daawa-info.net/books1.php?id=6340&bn=228&page=6 gannatdonya@gmail.com

More Related